تعليمنا بين ثقافتي (( الذكاء والإبداع ))
 

(( روي أن يونس بن حبيب كان يختلف إلى الخليل بن احمد الفراهيدي يتعلم العروض فصعب عليه تعلمه فقال الخليل له يوماً من أي بحر قول الشاعر :- إذا لم تستطع شيئاً فدعه .... وجاوزه إلى ما تستطيعففطن لما عناه الخليل فترك العروض واخذ يتعلم النحو وقواعد اللغة حتى أصبح في ذلك إماماً وعالماً شهيراً )) محاضرة الأدباء الأصفهاني ص 52هكذا كانت مساحة حرية التعلم في تلك العصور التي نفاخر بها الآخر فالمعلم ميسِر أو (( ملهِم )) والمتعلم له قابلية للتعلم . فقد كان هناك ثقافة يتم التعلم وفقها ، بحيث يتقن الطالب مهارات التعلم الذاتي ومهارات الحصول على المعرفة والتعامل معها وتصنيفها وتحليلها ووضعها في قوالب سهلة التناول وقديماً ألف الزرنوخي وهو احد علماء المسلمين في القرن السادس الهجري كتابه في تعليم المتعلم طريقة التعلم , وهذا خلاصة ماتوصلت اليه التربية الحديثة في عصرنا الحاضرالذي يمكن تقسيم الثقافة التعليمية فيه إلى قسمين((ثقافة الذكاء وثقافة الإبداع )) ففي الأولى يكون التركيز على مدى قدرة الطالب المعلوماتية والمعرفية والنظر إلى الذكي بتقدير بالغ أما الثانية فهي معنية بمدى قدرة الطالب على الإتيان بالجديد المميز أو الرأي الخاص غير المسبوق ، ولكل ثقافة ايجابيات وسلبيات ولعل النموذج الأمثل هو إجراء تعديل عليهما للخروج بثقافة معتدلة في الوسط لها ايجابيات ثقافة الإبداع وثقافة الذكاء في آن واحد , ولعل المشكلة التي تقف في وجه خلق الثقافة المعتدلة كما يقول د. وليد فتيحي (( أن الثقافة تقوم على معتقدات ووجهات نظر ترسبت في النفوس على مر السنين ويصعب تغييرها )) , وفي ظل التطورات العالمية المتلاحقة في هذا العصر أصبح تقدير الإبداع والفكرة الجديدة هو المقدم فنحن في أمس الحاجة الآن لإجراء تحويل اجتماعي عام نحو (( ثقافة الإبداع )) لتغيير المفاهيم السائدة في مجتمعنا لنتحول من الاهتمام بالنابغين إلى المبدعين ومن التركيز على الاختبارات التحصيلية إلى إيجاد بدائل لها لعل أهمها ملف الأعمال , بعد أن أكدت الدراسات التربوية بأن التقويم التقليدي ليس له أثر يمكن قياسه على نوعية تعلم الطالب . ولن يتحقق هذا الأمل ونرتقي بتعليمنا بدون الإهتمام بالركيزة الأولى للتغيير المطلوب وهي (( المعلم )) فلا بد من تأهيله لطبيعة المرحلة التي نريد , والارتقاء بفكره وقدراته ,والتطويرالذي يتم تجاوز المعلم فيه مصيره الوأد. فلتبادر وزارتنا الموقرة بخطوة شجاعة بوضع (المعلم وتأهيله أولاً) , وإلا استمر حالنا وفق حالة عاطفية نتمنى فيها صلاح المخرجات دون أن نصلح المدخلات ، وكم أتمنى أن نصل لذلك المعلم الذي قال عنه ابن جماعه (( وإذا علم أن تلميذاً لايفلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه )) . تذكرة السامع ص57وقد يكون هذا ماعناه الخليل بن احمد ببصيرته الثاقبه في توجيهه يونس بن حبيب فيما بدأت به في استهلال هذا المقال .
محمد جمعان العبدلي - تعليم الباحة